منتدى ونادي قرية عقيبة
بكل الحب والتقدير نرحّب بكم في منتدانا
منتدى ونادي قرية عقيبة
بكل الحب والتقدير نرحّب بكم في منتدانا
منتدى ونادي قرية عقيبة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى ونادي قرية عقيبة

ثقافي . اجتماعي .ترفيهي
 
الرئيسيةالبوابة*أحدث الصورالتسجيلدخول

 

 دموع القادسية

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
بيوراسب
المدير العام
المدير العام
بيوراسب


ذكر
عدد الرسائل : 375
العمر : 59
تاريخ التسجيل : 25/01/2009

دموع القادسية  Empty
مُساهمةموضوع: دموع القادسية    دموع القادسية  Emptyالجمعة مارس 09, 2012 11:48 pm

]بسم الله الرحمن الرحيم




دموع القادسية







ارتفعَ عَمودَ الصّبَاح، وأخذَتِ الشّمسُ تَرسِلُ خُيوطهَا البُرتقالية الأوْلى إلى الأرض.
نَسَماتٌ لطيفةٌ تُحرِّك أوْرَاقَ شِجر"الزَّْيتُونْ" المقدّسْ، الذي أقْسَم بَِهِ البَارِيْ سُبْحَانَهُ بِأنَّهُ خّلَقنَا فِي أَحْسَنِِ تَقوَيْمْ ..
السَّماءُ خاليَة ًمِن أسْرابَ غِربَانِ المَوتْ الصّهيوُنيةِ وذلكَ عَلىَ غَيرِ عَادِتَها..
كُنتُ فِي مَهمَّة مَعَ مَجمُوعَةٍ فِدَائيِّةٍ تَنتَشِرُ فِي بَسَاتِينَ الزَّيتُونِ فِي قَريَةِِ َ",وادِي جَلُّ نِعْمَة" التَّابِعةُ إلىَ قضَاءِ مَدِينةِ "النَّبطيِّةِ" فِي الجَنُوبِ الَّلبنَانِي الَصَّامِد .
وتَكمُن مَهمَّتُنا َفِي الانتِشَار ِومَراقبَةِ التَّحرُّّكَاتِ المَشبُوهَةِ وكََشفََها ومُلاحَقتَها والقضَاءِ عَليْها إنْ أمْكنَ، والسَّعِي إلى إفشَال ِمُحاوَلات ِالإنزَالِ الإِسْرائِِيليَّةِ المُحتَمَلة فِي المَناطِق القرِيبةِ مِنّا.
لمْ نَكُن نََهتم للنِهاياتِ،لأننّا نُؤمِن إنّمَا سَبِيلُنَا إلى التَّحرِيْرِ،هَوالجِهَادْ .
لَمَ ْ تَخدعَنا رائِحة ُالمَوتِ التي تَنتشرُ فِي الأرجَاءِ مِن تَصمِيمَنا عَلى القِتالْ..
ذلِكَ لأنّنا تََخلصْنَا من هَواجِسِنا التِي قَد تُؤرِّقُنا ،وقَتلنَا الخَوفَ وأشْكالَِ الهَزيمة ِفِي أنفسِنا،وآثرْنَا حُبََّ المُقاومَةََِ والنِضَالْ ،فِي نَيلِ أعْلىَ الدَّرَجَاتِ عِندَ اللهَ سُبحَانهُ....
لنَا دُستوراً وتَشرِيعاً خَاصّاً عَهِِدنَاهُ فَتعَاهَدنا عَليه ِوهوَ إمّا الشّهَادةَ أو النّصر،ولاَ سَبِيلَ إلىَ ذَلِكَ سِوَاهُمَا.
قدْ يَخرِقَ آذانَنا صَوتُ الصَّمتِ العرَبيّ الجَائِرِ،أمَام أمْواجِِ خِطابَاتِهم السِّياسيّة التي تََتلاطم ُعَلى شَواطِئ خُنوعِهم وخُضوعِهم للرِمال الغَربيّة والامبرياليّة العَالمِيَّة ..
حيثُ تَموتُ كلِماتِهم فِي مِياهِ محيطَ ِالقهْرالوِجدَانِي، وتَضيعُ حرُوفَهُم وتَتلاشَى كمَا قََطراتُ المطرِ المُنهمِر على نَهرٍ أخَذ سَبيلهُ نَحو وادٍ سَحيق.
لمْ نكنْ نَهتمُ للمَفاهيم ِوالنَظريّاتِ والشّعاراتِ البرّاقةِ، تِلكَ التي كُتِبَتْ عَلى أقمِشةٍ باليةٍ مَزّقتها الرّياح ،و تَدلّت رُقعاً منَ كلِمَاتِها،لتُسقِطَ عَنهَا ذُيولَ السُّخطِ والخيبةِ وتَدرأ نَفسَها بَعِيدا عَنِ ِالدُّعاةُ وَالمنَظّرِين البَارِعينَ فِي تَزييْفِ الحَقائِق َوتَأوِيلِ الأحَاديثْ ..
فمَا يَترتبُ عَلينَا مِن مَسؤوليّةٍ وِجدانيّةٍ وأخْلاقيةٍ هيَ أكبَرُ بِكثيَرٍ مِنْ حُلمِ ِماركُسَ ولِينينَ وغَيرَهُم مِن أصْحَاب المَذاهِب ِالمُختلِفة في َالغَربِ،لأنّ إيمَاننا كَبِِيرٌ بَعقِيدَتنا القِتاليّة ِومَفاهيمَنا النّضاليّة ؛وَهو أنّ مَا أُخِذ َبِِالقوّة لا يُستردُّ إلا بِالقُوّة .
لا مَجالَ للخَطأ أبَدا،لأنّ المُجَازَفةَ كالترَاخِي والإهمَالَ، قدْ تُودِي بحَيَاةِ الكثِيرينَ مِنَ َالذِينَ يَطمَئنونَ إليْنا ويَجِدُونَنا مَلاذاً آمِنا لهُمْ ..
هَاجَرَ بَعضُ سُكّان قَرْيَةِ "وَادِي جَلُّ نِعْمَة " إلى دُولٍ غَربيّةٍ وعَربيّةٍ وخَليجيةٍ مُختلِفة، وآخَرَونَ ينشِدُِونَ العَيشَ بِسَلام ٍفي قريَتِهمْ ،وَأكثرُهَؤلاءِ هُمْ مِن ِالّذينَ تَقدّمتْ أعْمارُهم ،ولا يَجِدونَ إلىَ الهِِِِجرَةِ سَبيِلا ولا قِِبلَ لَهُمْ عَلىَ تَحَمُّل ذلِك .
كُنّا نَستَقِلُّ مَنزِلا ضِمنَ بُستانِ "الزَّيتُونِ"تم قَصْفُه بمَدفعيّة العَمِيل "سَعدْ حَدّاد" فَهُدِّمَت بَعضَ جُدرَانِه،وقدْ خَلا مِن سَاكِنيه ،الّذين هَاجَروا إلى فرَنسا هَربَا مِن الحَرْبِ وبَحثاً عَنْ مَصدرَ رِزقِ ٍ لهُم فِي بَلدِ الاغترِاب ْ.
وهُناكَ مَزرَعةًُ صغيرة ً،تَقعُ فِي الجِهة ِالأخْرَى مِنَ الطّريقِِ ،تعَِيشُ فِيها سيّدةً فِي مُنتصَفِ العَقدَ السَّادِسِ مِن عُمرِهَا،تَخرُج كُلّ صَباحٍ وتَضعُ كرسِيّها أمَام َباب مَنزِلها وَذلِك بَعد أنْ تنتهِِي مِن واجِبَاتِها المَنزِليّة،تَعدُّ كأسَا مِن" الشّاي بالمِيرَميّة" ((وهِي نَبتة ٌتنتشِرُ عَلى رُبى جِبالُ لبنان وتُعطِي الشّايَ نكهة ًطيبة)).
كَثِيرَاً مَا كَانَتْ تدعُونِي لأجْلُسَ مَعَها وأشَارِكَُها فِي احتسَاءِ الشّايَ،كَانَتْ تَأنسُ إليّ وتحبُّني ؛ كُنت أسَاعِدُها فِي حَملِ الأشيَاءِ ونَقلهَا أحْيَاناً ،لَم أَكُن أدّخِر جُهْداً لخِدمَتها أولِخِدمةَ أيِّ فردٍ يَحتاجُ إلى مُسَاعدتِي، بَل إنّني كُنتُ أقوم ُبذلكَ بكلِّ ّسُرورْ.
حِينَمَا كَانتْ تَرانِي كأنِّمَا كانَت تَرَى اِبنَها وَقدْ كََانََتْ تُناديني باِبنِهَا،كُنتُ إذَا نَظرْتُ إلىَ وجْهِِهَا أتذكّر أُمّي رَحِمَها الله ،وكَانَ يُؤنِسُني ذلِكَ لأمْرَينِ اِثنَينْ .
أوَّلّهُما : أنَّني أرَى جَميعَ الأمّهاتِ الثَّكلى هُنَّ أمَّاً لي ..
ثانيهما: بُعْدِي عَن والِدَتي الَّتي كَانَت تَدعوُا وتُصَلّي لأجْلِي كَثِيراً,وتَقرَأُ الآيَاتَ القُرآنيّةِ المُختلِفة الَّتي لَهَا عَلاقةً بالجَلبِ وَالحِمَايةِ، وَذلِكَ أمَلا ًبِرُجوعِي وَعَودَتِي..
لَم ْأكُن قاسَيَ القَلبُ يَومَا ،لكنَِّي كُنتُ أجِدُ أنّني وُلِدتُّ مِنْ رَحمٍ حَمَلنِي تِسعةَ أشْهرٍ
تَلمّستُ العَاطِفةَ والحَنَانَ والعنايةَِ الفَائقةِ،لكَونِي أمَثّل قِطعة ًغاليةً مِنْ رُوحهَا..
بَينَما يَنتظِرُنِي رَحْمَا آخَرَ سَيحمِلنِي إلىَ يومُ القِيامةِ ، حَيثُ لا يَنفعَنِي فِيهِ أحَدٌ سِوَى عَمَلي الّذِي عَمِلتُ بهِ لِقاء وَجْهَ رَبّي ومرِضاتهِ سُبحَانَهُ ،أمَلاًً بِرَحمَتِه جَلَّ جَلالُه..
كَنتُ ألاطِف السيَّدةَ العَجُوزُ وأمَازِحُها أَحيَانا ً، مُعتقِداً أنّني رُبَّما أعَوِّضُها عَنِِ الألَمِِ
وَ الحُزنِِ بَعدَ أنْ فََقدتْ لهَا أبناءً وأقرِباءً خِلالَ العُدوَانِ الإسْرَائِيلي .
لَقدْ جَفّ الدّمعُ فِي عَينِيها وأخََذَت ْالتَّجَاعِيدَ تتشكّل حَولهَُُما،ففِِي كُلّ رفَّة مِن عينٍيهَا الغَائِرتيْنِ طُمُوحَا وأمَلا ً وإِصْرَارَاً عَلىَ البَقاءِ رُغمَ أنفِ الطُّغَاةْ .
لَمْ تَكُن تَهتّم كَثِيراً لِهَذِه الحَياةَِ الألِيمَةِ ..فَكُلَّ مَا بَقِي لهَا فِي هَذِهِ الدُّنيَا,ذَكرٌ وأنْثَى وكِلاهُمَا خَارِج َالبِلادْ.
. لقَدْ عَلّمَتهَا الحَيَاة أنّه ليْسَ كَُلَّ مَا لدِيْهَا مُلكٌ لهَا، وأنّه يَجِب أنْ لا تَتمسّكَ بالأشيَاء الثمِينةِ فلرُبّمَا تَفقِدهَا،وَأنْ لا تَنظُرَ إلى الأوْرَاق المُتسَاقِطةُ عَلى الأرْضِ، فَقدْ أصْبَحت جِزءاً مِنهُ،وأنْ تَرَى الشَّمسَ مِنْ خِلالِ الأوْرَاقِ المُظِّللة ِفي أرْجاءِ المَكَان، كَانَت تَرَى فِي كُلِّ مَا تَفعَلهُ هُوَ منَ الصَّوابِ والحِكمَةِ .
لمْ تَأبَهَ لكَونِهَا اِمرأةٌ مُسنّة ،كانَت تَجدُ نَفسَها فِي حّيوِية ٍدَائِمَة ،بَلْ أنَّها كانَت تَنتقِدَ تَصَرُّفَاتِ بَعضَ النِّساءِ لأنّهُنّ يَعتَمِدنَ عَلى الآلاَتِ والتقنيّاتِ المُختلِفَةِ فِي قَضَاءِ َأعْمَالهنّ فِي المَنزِل،فيَداها المُكتنِزتانِ تَرمُزَانِ إلى قُدرتِهُمَا عَلى كَسرِ حَجمُ العَمَلِِ مَهمَا كَبُرَ،وأنّها قادِرَةٌ عَلى الاسْتِمرَارِ في البَذلِ والعَطاءْ .
عَلىَ الرَّغمِ مِن أنّنِي لم ْأكنْ أهتمُّ كثِيرًا لِمَا تقوله ، ذلكَ لأنّ جُلَّ حدِيثُها نَصائِحَ وتَحذِيرَاتٍ سَئِمتُ سَماعَهَا لكثرة تَردِيدَها وتِكرَارِهَا،لكنّي كُنتُ أستمِعَ إليهَا لأخفِضَ جَناحَ الذلِّ من الرَّحمَةِ ،وأُظهِرَ توَاضُعِي وتََشعُرَ بأنِي صَاغِرًا وطَائِعاً لها..
كُنتُ أستمِتعُ إلىَ لهجَتِها القرَوِيّة ِالبَسِيطةِ ،كانت تشعرني بأني فتى ليّن العرِيكة وأنّي بحاجَةٍ إلى رِعَايةٍ وتوْجِيه.
كانَتِ الشَّمسُ قدِ ارتفَعَت إلىَ قُبّة السَّماءِ، وأََفََلَتِ النُّجوم ُوبقيَ القمَرُ بَدرا وحِيدًا وقدِ انكفَأ نُورَهُ ،وهَدأتْ تِلكَ النََّسَماتِ اللّطِيفَةِ التِي كَانَتْ تُنعشنِي وتُشعِرُنِي بِالنُّعاسِ.. تَضاءَلتْ الاحتِمَالاتِ السَّيئةِ للأعْمالِِ العَسْكريَّة ِ،حَيثُ يَركَُنُ الخُفّاشَ البشَريَّّ إلِى العُتمَة ِوَالظّلمَاتِ فِي أسْقُفِ مَغَاوِرَالفسَادِ والطّغيَانِ،وَيَلوذُ العَقرَبُ بَينَ شُقوق ِالجُدرَانِ خَشيَة أنْ تَسْحَقهَا أقدَامَ الأحرَارِ،انّه حُبّا بالحَيَاةِ وصِرَاعاً للبَقاءْ .
فِي طَبعِي لاأحِبُّ اللّجُوءَإلى العُنفِ والأذيّةِ لأحَد،حَتّى النَّملَ الّذِي يُشارِكنِي المَكانَ، لمْ أكُنْ لأقتُلُهُ، طَالمَا يتّخذُ سَبِيلاً لا يُزَاحِمُني فِيه ،إذِنْ فلنَعِشْ مَعَاً بِسَلام ....
انتَظرْتُ بَعضَ الوَقتِ رَيثمَا تَبدأ حَرَكة ُالسكّانِ فِي الجِوَار،لأطمَئنَّ وأسْتكِين، وأعُودُ إلِى فِراشِي كَيْ أنَام َقرِيرَ العَيْن ؛ بَعدَ ليْلةٍ غَبسَاءٍ وَ شَحنَاءٍِ طَوِيلة ...
كانَتْ الَسيّّدةُ العَجُوز، تَنثرُ الحّبَّ وفُتاتَ الخُبزِ اليَابِسِ أمَامَ الدّجَاجُ والعَصَافِير، الّتي مَلئَت ِالدُّنيَا بِزَقزَقتِها.
اعتَادَت السَّّيّدة العَجُوزُ عَلىَ وُجُودِهِم كمُتطفّلِينَ فَي مَزرَعَتِها ،وقد اعْتنَت بِهم لِكونَهُم بَقايَا صُور ٍفِي ذَاكِرةٍ حَيّة ٍمُنذُ أكثَرَ مِن خَمْسةِ عُقودٍعَاشَتهَا مَعَهُم ، صَحِيح أنّها تَعِيشُ فَي خَرِيفِ عُمرِهَا لكنَّهَا لم ْتُخرِّف بَعدْ.
اِختفََت قلِيْلاً ًثمَّ عَادَتْ وَفِي يَدِها "أبرِيق الشَاي" وتَحمِلُ بالأُخرَى صِينيّة عَليهَا ثَلاثةُ كؤوُسٍ زُجَاجيّة فارِغََةٍ ،قدْ لا تَحتاجُ سِوَى إلِى كأسٍ واحِد ةٍ،وَلكنّهَا صِفة ٌحمِيدةٌ تُلازِمُها ،تَعبِِيراً عَن كرَمُ الضِيافَة وحُسْنَ التّدبِير.
دَعَتنِي إلىَ اِحتسَاء كأسٍ من "الشاي" ، قبِلتُ دَعوَتهَا صَاغِراً ،ثمَّ بَدأتْ تََسْألنِي عَن أحوَالِي كَالعَادَة وتُحذّرُنِي،المَوضُوعَ الّذي كَانَ يُثيرُ اِمتعَاضِي ،حَتّىَ لو كَانتْ تِلكَ أمُّّي الحَقِيقيَّة هِي َمَن تَتحدّث بهِ اليّ ؛ذلك لأنّنَي كُنتُ أشْعُرُ بِأنّي أصْبَحتُ رَجُلاً ، وأسْتَطيعُ الاِعتمَادَ علىَ نَفسِي ولا أَحتَاجُ إلىِ نصِيحَةِ أحَد. كانت حَالة مِنْ جُنونِ المُرَاهقَةِ وطُقوسِهَا في الَّلامُبَالاةِ والعَنجَهيّة،أبْحَث ُفِيهَ عَنْ ذَاتِي .وهَوَ صِراعٌ داخليٌّ يعتري فئةًً عُمريّةً مُعيّنة،تَبقىَ عِندَ البَعضِ مِنهُم،وتَنتَهِي مَع تقدّم السِّن عِندَ الكَثِيرين..
اِنتبَهت السَّيّدة العَجُوزُ أنّنَي أتثاءَبُ كثِيرَاً،كانَت أجْفانِي تُقاوِمُ الكَرَى،بَينمَا اغْرَورَقت دُموعِي وفَاضَت فِي مَآقِيهَا ،وبَدأ الدّمعُ يَجرِي عَلَىَ خَدّي ،وغَدَت عَينَاي تُصَارِعَانِ النَّومَ وأنَا أجَافِيهُمَا ، مُحاوِلاً الصّمودَ ريثَمَا أصِلُ إلى المَنزِلَ.
دَعَتنِي السَّيّدةُ العَجُوز إلىَ النَّومِ فِي غُرفَة اِبنِها المُسَافرَ،لكنِّي آثرتُ أَنْ أَرقَََُدَ فِي فِرِاشِي ، ذلِكَ لأنّنَي لمْ اعتَادَُ النَّومَ في فِراشَِ أحّد...
ودّعتُها بِعبَارات كُنتُ أكرِّرُها كُل يَومٍ تَقرِيبَا ، وقَبلَ أنْ أذهَبَ دَعَتنِي أنْ اقتَرِبَ مِنها ثمَّ قبّلتنِي مِن وَجنَتيّ عَلىَ غَيرِ عَادَتِها ؛ كَأنَِّها تَشفََََُقُ عَليّ مِن نَفسِي ،أوأنّها تُرِيد أن تترُكَ بصمةً رائِعة ًفي صَفَحات َوِجدِانِي ،يُصنِّفُها ضَمِيريَ الحيَّ بَينَ تلافيفَ دِمَاغِي لِتَبقى أسِيرَة الذّكرَى ،وحَبِيسَة آلامِي ..
لكِنّنَي شَعَرتُ بِانقِباضٍ غَرِيبٍ فِي صَدرِي وأحسَسْتُ بالضِّيقَ ،تُرانِي أفتَقِدُ إلى أمِّي الّتِي تَبتهِلُ إلى اللهَ سُبحِانهُ تَرجُوا لِقائِي !!..
أمْ أنّها غَصَّت بلُقمةٍ فِي حَلقِها فَتذكّرَتني ،فأرسَلت رسَائِلَ شَوقٍ إلى قلبِِي،لِذَا رُبَّمَا انقبَضَ لهَا صَدرِي!!..
قلتُ مُخاطِبا نَفسِيSad( رُبَّما مَردُّ ذَلِك إلَى قِلَّة النَّومِ وكَثرَة السَّهَرِ)).
اِعتذَرْتُ إلىَ زَمِيلي الّذِي دَعَانِي إِلى تَناوِلِ طعَامَ الإفطَار، وَتابَعتُ سَيرِي إلى فَناءِ مَنزِلِنا، ثمَّ اخترْتُ شَجرَةً وارِفةٌ الطِّلال ,وافترَشتُ الأرْضَ مُستخدِما وِسَادةٌ قُطنِيَّةًٌ صَغِيرة أضَعَ رَأسِي عَليْها ثمّ التحّفتُ السَّماء َ،وَكانَ آخِر مَا تَناهيَ إلى سَمعي هُوصَوتَ المُذيْعَ اللُّبنَانِي الشَّهِير "حِكمَتْ وَهْبَه "رَحِمَهُ الله ، كانَ يَعمَلُ ٍ حِينئِذٍ فِي إذَاعَة "مُونتِي كارْلُو الفِرَنسيَّة " كانَ يصغِي اليهِ أحدَ زُملائِي عَبْرَ الرَّاديو..
اِستَسلمتُ بَعدَها إلىَ نَومٍ عَمِيق ٍ،كانَ كلُّ شَيءٍ يَسيرُعَلى مَا يُرَام، ليْسَ هُناك َمَاقد يُزعُجِنِي ،لأنَّ جَمِيعَ زُمَلائِي يَعرِفُونَِ مَعنَى أنْ يَكوْنَ أَحدُنا فِي مَهَمّةٍ تَحتَ جُنحِ الظَّلامُ ،قَد لا يُعوِّضَ نَومَ النَّهارِ كمَا هُوَ النَّومِ فَي الّليلِ،لِكُلِّ وَقتٍ خَصَائِصُهُ وَجَوَانِبُه الإِيجَابيَّةِ وَ السَّلبيّةِ .
كنتُ غَارِقاً فِي نَومِي ،رَأَيتُ حُلُمَاً مُخِيفَاً وَمُزعِجاً،وَجَدْتُ نَفسِي فِيهِ عَلىَ بِنَاءٍ شَاهِقٍ ،ثُمَّ وَقَعَ زِلزَالٌ قَوّيٌ،مَا جَعَلَ البِنَاءُ يَمِيلُ وَأنَا نَائِمٌ عَلىَ سَطحِهِ الغَيرَ مَحْمِيٍ بِسُورٍ يَقِينِي فِيهِ مِن السُّقوطِ ،ثُمّ أخَذتُ أهْوِي بِقوَّةٍ نَحْوَ الأَرضِ،وأنَا أحَاوُل البَحثَ عَن خَيطِ عَنكبُوتٍ لأتمسَّكَ بِهِ كَيْ لاأسقُطُ َعَلىَ الأرْضِ.
اِستَيقظْتُ مِنْ حُلُمِي مُرعَباً ، وَقَد بَلغَتْ ضَربَاتُ قَلبِِي ذَروَتُهَا،خُلتُ أَنَّه حدَث َزِلزالاً حقّاً ً،وأنِّي هَوَيتُ من شاهق ٍ حقيقَةً ً.
حَمدْتُ اللهَ وشَكَرتُه، أنَّنِي لازِلتُ فِي مَكانِي عَلى الأرْضَ حَيثُ أرْقُد.
كانِ َالغُبارَ يَعِجُّ المَكانُ وَيَحجِبُ الرُّؤيَا عَنِّي، لمْ أعِ ِ تَمامَا لِما حَصَلَ، لأنَّنِي كُنتُ مُترَنّحا كالسِّكّيرمِن شِدّة النُّعاسِ،تَناهَى إلى مَسمَعِي صَوتُ أحَد زُمَلائِي يَأمُرُنِي بِالهُروبِ، أدْرَكتُ حِينَها أنّه تَم َّقصْفُ المَكانِ ،وَأنَّه يّجِب عَليّ الاِنتشَارُوَالاِختِباءُ فِي مَكانٍ لا يَطالُنِي القصْفُ فِيهِ، لكنِّي فِي البُستَانِ،فَإذا كَانتْ الأشْجارُ الكَثِيفةُ لا تَستطِيعَ حِمايَتِي إلى أيْن َأهرُب أوْ أختَبئ إذَاً ؟! .
تجَاهَلتُ أمْرَ زَمِيلي وَلمْ أعِرْ أيُّ اِهتمَامٍ لنَصِيحَتهِ،فِي حِين أنَّه دَوَى اِنفِجَارَاً ثَانٍِيَاً لِصَارُوخٍ ضَخمِ ٍجَاءَ مِن بَينِ السُّحُب ِفِي السَّماءِ،جَعَلنِي أنتَفِضُ مِن مَكانِي كَطَائِرٍ فُوجِئ بِقفزةِ وَحشٍ ٍمُفترِسٍ،فَاختَلَطتْ عَليهِ الدُّرُوبَ وَالاِتَّجاهَات جَمِيعِها،وَذلِكَ هَرَبًا مَن هَاجرةٍ تَقتُلنِي أوْ شَظيَّة تَقطعُنِي..
ليْسَ سَهلا ًأنْ يَنفجِرَ شَيئا أمَامَك بِحَجمِ عُبوَتيْ "غَازْ" وأنْ تَجتمِعَ فِيهِمَا صَوْتَ الرَّعدَ الهَادِرِ في لَيلٍةِ شِتاءٍِ يومٍ عَاصِف ، وذلِكَ في آنٍ معاً ...
قَبْلَ أنْ أنفُضَ عَنّي غُبَارُ المَوْتُ الآثِم ،رُحْتُ أتفَّّقد المَكَان لأعْرفَ إِذا مَا كَانَتْ هُنَاكَ خَسَائِرَ بَشرِيّةٍ،بَينَمَا يَشُقُّ عِنَانَ السَّماءِ صّوتَ النّفَّاُثَاتِ في العُقَدِ تَبحَثُ عن ضَحَايا آخرُون،وتُعلِنَ أنَّ الغَارَاتُ الجوِّيّة لم ْتَنتهِ بَعدُ وَأنَّهُم سَيُعاوِدُونَ القّصْفَ مِن ْ جديد.. سِاد صَمتٌ غَرِيبٌ فِي الأنْحَاءْ ، بَدتْ قرْيةَ "وَادِي جَلَ نُعْمَة" خَالِيةً من السُّكّان،بَينَمَا تنْتَشِرُ رَائِحةُ المَوْتِ فِي الأرْجَاء،بِحَجمِ ِالدّمَارِ الّتي أحْدَثتهُ تِلكَ الغَارَات،كأنّما إعْصَارًا عَاصِفًا اِجتَاحَ الصَحرَاءَ فنَبَشَت كلَّ الرِّمَال التَّي فِيها,وقَذفتها نَحوَ الشَّمس، فاِنعدَمَت الرُّؤيَا بُرهَة،وعادَت اشراقةُ الشَّمسَ من جديد ، وعَادت طائِرَاتُ البُؤسِ والشُّؤمِ تَدُورُ كالرَّحَى فِي قِبّةُ السَّماءِ، تَبحَثُ عَن الهَدَفَ التَّالِي لهَا،غَالِباً مَا تَكُونُ أهْدافَهَا هُم ضَحايَا بَشرِية ٍآمِنة ؛فأنّهُ يُطِيبُ لهَا سَفكَ الدِّماءَ ولا يَهمُّهَا نَوع َالضَحِيّة وجِنسَها حَتّى الحَيوَانَاتِ وَغَيْرهَا لَمْ تَسْلمَ مِن غِرْبَانِ المَوتِ الآثِمَة .
لَقدْ قُتِل ضَمِيرُ العَالَمِ العَربيّ وَوُئِِدَت وِحدَتهُ،وبُعثِرَ نُفُوذَهُم وَتفرّّقتْ إلىَ ذَرّاتٍ فُوسْفورِيّةٍ تحْرِقُ كلَّ كائِن ٍحَيّ ،فَلا تُبقِي عَلىَ شَيءٍ حَتّى تَحرِقَهُ أوْ تَقتُلهُ، وَالويْلُ لِمَنْ تََطالُهُ هذِهِ المَادّة التّي تَهتاجُ كلّمَا تَنسّمَت ْهواءَ الأوكسِجِينْ اشْتَعلَت بِقُوّةٍ أكثَر.....
كَمْ مِنَ المَرّاتِ اِستَخدَمَها الصَّهَاينةِ للتَّعبِيرِ عَن مَدى حِقدَهُم للإِنسَانِية ِجَمعَاءْ..
كُنتُ أسْتغرِبُ تَمَامَا وَأتسَاءَلُ :تُرَى لِماذَا كَانتْ تَستَهدِفُ تِلكَ الهَائِمَاتِ فِي السُّحُبِ ، مَنَازِلَ بِعَينِهَا دُونَ غَيرِهَا ؟؟!.
فِيمَا بَعدُ أدرَكتُ أنَّ هُنَاكَ أخوَةً لِلكَلبَةِ "بَرَاقِشْ"يَنقِلونَ أخْبَارَ قَومِهِم بِانتِظَارِ مَنْ يَرمِي لهُم عَظمَةً فَاسِدةٍ مَسْمُومَةٍ عَلىَ الأغْلَبِ، تَبْدأ تَأثِيرُهَا بِانتِهَاءِ أدوَارِهِم ْعِندَ حَاوِيَاتٍ كبَيرَةٍ صَدِئةٍ تَجمَعُ أمْثالَهُِم وَذلِك فِي مَزبَلةَ التَّارِيخِ وَإلىَ الجَّحِيمِ ِ .
الغَارَةُ الجَوّيّةُ هِيَ الضَّربَةُ الأولَى فَقَط، ثُّم لا تَأثِيرَ لِعَدَدِ الغَارَاتِ مِنْ يَعْدَهَا، حَيثُ يَتمُّ تَحدِيدَ المَناطِقَ الّتِي تُقصَفُ ،حِينَهَا يَتسَنَّى لِلنَّاسِ الاِختِباءَ والاحتِمَاء فِي أمَاكِنَ تَقيِهُم مِن تِلكَ الضَّرَبَاتِ القَاتِلةِ وَذَلكَ بِنَسبٍ عَالِيةٍ.
كَانَ كُلَّ شَيءٍ مِنْ حَولِي يَدعُوا إلىَ السُّخرِيَةِ وَالاِشمِئزَازِ،إذْ أَنّ الحِجَارَةُ وَالصُّخُورَ الّتِي اسْتكَانَت لِعُقودٍ طَوِيلَةٍ رَاسِخَةٍ فِي الأرْضَ،اقتَصَرَُ اِستخْدَامَهَا فِي البِنَاءِ وَمَرابِضَِ الخَّيلِِِ،وَاسْتِعمَالاتٍ أُخرَى ذَا فَائِدة يَوْمَاً، تَغدُو هَذِهِ الأيّام َغََيرَ آمِنَةْ!!..وَقَدْ تَتحَوَلُ إِلىَ قِطََعٍٍٍ وَشَظايَا وَمَقذُوفَاتٍ رُبّمَا تَطَالُ أحَدَا فِي رَأسِهِ فَتشجّهُ ،أوْ تَقتُلهُ ..
آخِرَ مَا كُنتُ أتوَّقّعُه مِنْ هَذَا الجُلمُودِ أنَّه قَدْ يَصْبِحَ خَطَرَا وَ أنْ لا يُأمَنَ جَانِبُهُ !!..
تَرَكتُ أمْتِعَتِي فِي ذَلك المَنزِلَ ،وعَلقتُ الجُعْبَةُ القِمَاشيَّةِ عَلىَ صَدْرِي، وفِيْهَا قُنبُلتَينِ وأرْبَعَةُ مَخَازِنٍِ من الرََّصَاصِ يَحمِلهَا كلُّ مُقَاوِمٍ ٍهُنَاكْ، ثُمّ قَصَدتُ دَارَ تِلكَ السَّيدةِ العَجُوز لطَالَمَا ضَاقَ صَدْرِي سَاعَتِهَا، لأبَدَّدَ الشَّكَّ الّذِي انتَابّنِي لِلحَظَاتٍ حينها ...
فاِنجَلتْ الحَقِيقَةُ عَن جِثّةِ اِمْرَأةٍ مُلقَاةٍ عَلىَ ظَهرِهَا ،بِثَوبٍ جَدِيدٍ لَمْ أعْهَدهُ عَلىَ تِلكَ السَّيّدةُ العَجُوزُمِن قَبلُ،خُلتُهَا نَائِمَة تَحْتَ الشّجّرَةِ الوَارِفَةِ الّتِي غَطَّتْ ظِلاَلُهَا مَسَاحَاتٍ من جَسِدَهَا ،بِحَيثُ يَصْعِبُ التَّعرُّفَ عَليْهَا جَيِّدَا..
رَاحَتْ سُحُبُ التَّشاؤُمِ تَعْبُرَ مُخَيّلتِي،فَتُدخِلَنِي فِي مَغَارَاتُ الرُّعْبِ البَعِيدَة ِ خَلفُ جِبَالُ الهُونْزَا بِالهِنْد...حَيثُ النَّبَاتَاتِ المُتسلِّقَةِ وَأعْشَاشُ النُّسورِعَلىَ أشْجَارِ بَاسِقَةِ ،وَصَفِيرُ الطَّاوُوسِِ ِالمُخْتَالِ يَصْدَحُ فِي الأَنْحَاءِ َيُوحِي بِالفَنَاءِ ..وَعَلىَ شَجَرةٍ تَبَاعَدَتْ أغْصَانُهَا وَقَفَ طَائِرُ البُؤسِ ِمُعتزّا يُقدّمُ نَفسَهُ كَصُورَةً لِلتشَاؤُمِ فِي مَكانٍ عَبَثَت فِيهَا الأرْوَاحٌَ ، وَتَحوّلتْ إلىَ أُسْطُورَةٍ مُرْعِبةِ ؛ كُنتُ أخْشَى عَلىَ نَفسِي مَن هَذِهِ الحَالَة.
وَصَلتُ إلىَ جُثَّة تِلك السَّيِِّدة الّتيْ خَرَجَت هَارِبِةًً مِن مَنزِلِهَا إلىَ البُستَانِ،لِتَقِي نَفسَهَا شرّ الغَدْرِ،كَمْ كَانتْ دَهْشتِي عَظِيمَةٌ حِينَ وَجَدتُّها ذَاتَهَا تِلكَ السَّيَِدةَ العَجُوز الّتِي كَانَت تَعتنِي بِي ،وَقَد اِسْتلقَتْ عَلى ظَهرِهَا وَالاِبتسَامَةُ عَلى مُحَيَّاهَا وَعَينَيْهَاَا الصَّغِيرِتََينِ كأِنِّمَا تَلمَحَانِ شَيئًا عَظِيمًا فِي السَّماءِ...
رُبَّمَا هُو اِحتفَالٌ كَبِيرٌ لِلمَلائِكةِ بِقُدُومِ رُوحٍ طَاهِرَةٍ تَزَفُّّهُ الأَرْضُ إِليهِمْ..
تُبّشِّرَ بِقَبُولِ الهَديَّةِ وَتُكَحّلُ عَينيْ تِلكَ العَجُوزُ الطيَّبَةِ بِرُؤيَةِ مَكَانَتِهَا فِي السَّّمَاء...
وَتنَتهِي مِن هَذِهِ الدُّنيَا الفَانِيَة ،وَتَبدَأُ رِحْلتَهَا إلى الحَيَاةِ الأَبَديَّةِ الخَالِدَة..
كَانَت الدِّمَاءُ قَد غَيَّّرَت لَوْنَ ثَُوبِهَا،لقَد أصِيبَت المِسْكِينَةُ بِشظَّيَّة قَطّعَت خَاصِرَتَها إلىَ شِبهِ نِصْفَينِ،فَأرْدتهَا فِي لَحْظَتِهَا، وَلَمْ تَسٍتطٍعْ جَرّ قَدَمَيْها وَلا بِحَرَكَةٍ بَسِيطَةٍ تَجْمَعُ فيها شَطرَيهَا، حَيثُ تَجَمََّعَ نَجِيعُهَا فِي بُقعَةٍ وَاحِدهٍ فَارْتَشَفتهَا الأَرْضَ ،وَغَارَت في شُقوقِهَا كَأِنَّها تَقوْلْ أقِيمُوا القَبْرَ هُنَا،فَليْسَ هُنَاكَ أطْهرَ أرضٍٍ فِي الدُّنيَا مِن هَذِه البُقعَةِ ...
يَا سَيِّدَةِ َالَّسلامَْ ،بينَمَا يَتَرَنَّحُ بَعضَ أبنَاؤُكِ سُكَارَى فِي دُورِ المُجُونِ المُختَلِفَةِ، وَفِي أرْوِقَةِ قُصُورِ الفِتنَةِ مُنهَمِكِينَ فِي ضَرْبِِ كُؤوسَ الخَيْبَةِ والذّلِِّ كُلَّ يَومٍ تَقرِيبَاً ،كُنتِ تّصُدِِِّينَ عَنهُم شَظَايَا القَتْلِ والفَتكِ الإِرهَابِيَّة.
يا أمَّ الإِنسَانِيَّةِ ، كَيفَ تُقَامُ الفرَائِضَ فِي المَعَابِدِ كُلَّهَا ،بَينَمَا دَمُكِ المُبَاحْ يَسِيحُ عَلىَ عَتَبةِ مَنَازِلِهمْ ،يَستَرِقُونَ البَصَرَ إلِيهَا مِن دُونِ أنْ تَهْتَزُّ لَهُم قّصَبَة ؟!
يَا أمَّ مُوسَى ( عَلِيهِ السَّلام) بِحّقِّ مَنْ أعَادَ إلِيكِ وَلِيدَكِ, بِأيِّ حَقٍّ تُقتَل هَذّهِ السَّيِّدة ؟! .
أيُّهَا الصُّمُّ فَي بَلدِ العُمْيَانِ ، لَقَدْ خَرِصْتُم وَقُطِعَت ألسِنَتَكُم مِن حَنَاجِرِكُم، وَأنْتُم تَنظُرُونَ إلىَ تِلكَ الدِّمَاءِ المُستَبَاحَةِ الطَّاهِرةِ ،ألاَ يَعْنِي ذَلِك كُلُّهُ شَيئاً لَكُم ؟؟!.
أيَُهَا القَادَةُ العَرَبِ هَلْ يَجِبْ أنْ أعَلِّمَكُم كّيفَ تَبتَهِلونَ إلىَ اللهَ كَأضْعفُ الإِيْمَان ؟؟!.
لكنَّي قَدْ أجِدُ مِن الجُلمُودِ تَجاوبَاًٍ، بَينَما لا أجِدُ إلا أنْ أشِبِِّّهُكُم بِالدَّبَابِيرِ الإِفرَِيقيِةِ الّتِي تُهَاجِمُ خَلايَا النَّحْلِ فَتقتُلّهَا ،وَتَأكُلَ العَسَلِ ثُمَّ تَمْضِي بَحْثاً عَنْ ضَحَايَا أخْرَى ...
يَا أبنَاءَ الأفَاعِي ..... يَاقَتَلةَ الأنْبِيَاءَ وَالصِّدِيقّينَ .....لَكُمْ اللهَ فِي يَوم آتٍ ٍلارَيبَ فِيهِ..
حِينَهَا سَتكونُ اِمارَاتُكم عَلىَ رُؤوسِ جَمِيعَ مَن خَرُسَ وَصُمّ وَعُمِيَ يَوْمَا ،وَسَِتُضرَبُ أيَالاتُكُمْ هَدْمَاً وَعَفْسًا تَحتَ الأقدَامِ،وَتَنتَهِي البَشرِيَّةِ مِن فُلولَكُم الشِرّيرَة إلىَ غَيرِرَجْعَةٍ.
أَاِستَكثَرْتُم عَلىَ سَيِّدةٍ عَجُوز أنْ تَعيشَ مَا تَبقَّّى لهَا مِن حَيَاتِهَا بَأمَان ؟! .
مَا الّذِي كانَ يُرعُبِكُمْ فِي سَيّدةٍ كانَت تَنتِظرَ تَحقِيقَ حُلُمِهَا وَذلِك بِرُؤيَةِ أحْفَادَهَا قَبلَ أنْ تَترُكَ الدُّنيَا وَتَرحَل؟!..
أيُّهَا الهَائِمُونَ فِي السُّحُبِ ،وَأنتُم تَحمِلوُنَ أدَواتَ المَوتِ المُحَتّمِ إلىَ الإِنسَانِيَّةِ،أليْسَتْ أمُّكُمْ حَوَّاءْ ؟!. أمْ أنَّكُمْ خُلِقتُم مِن طِينَةٍ جُبِلَتْ فِي الجَحِيْم ..
ألاَ يَعنِي لكُم شَيئًاً أنْ تُقتَلَ سَيِّدةً ذَنبُهَا الوَحِيدُ أنّهَا لمْ تُغَادِرَ أرْضَهَا ؟!..
.لقَد قُتِلتْ تِلكَ السَّيدةِ العَجُوز دُونَ رَحمَة،وَلمْ تُغادِرَ أبَدَا ولنْ تُغَادِرَ بَعدَ ذَلِكَ قَطْ !!.
لقَد تَرَكتْ رِسَالَةً إلىَ العَالَمُ مُفَادُهَا ،أنَّ الحَيَاةَ إِنَّمَا هِيَ إِرَادَة ٍ،وَصُمُودْ، وَمُقَاوَمَة ..
أنَا عَلىَ يَقِينٍ أنَّ رِجَالُ المَوْتِ قَادِمُون ،وَأنَّهُم سَيثأرُونَ لِتلكَ السِّّيدة العَجُوز وَلِكلِّ مَن سَقَط شَهِيدًا،وَأنَّهُم سَيَشُقّونَ الصَّمتَ العَرَبِيَّ المُدقَعِ ،وذلِكَ بإِيمَانِهم وَقُوَّتِهم وَقُدرَتِهم علىَ التَّحمُّلِ وَالتَغيِير، وانَّ الغَدَ لِناظِرِهِ قَرِيب .
فِي يَومٍ لاَ تَنفَعُ الصَّهَاينَةِ شَجرَةِ الغَردَقِ وَلاَ البُرُوجِ المُشَيّدةِ وَلنْ تَكُونِ مَنَازِلِهِم إلا مَقَابِرَ لَهُم ...
أيُّها الجَاحِدُون، سَتدفَعُونَ ثَمنَ جَهلِكُم ، حِينَ تَكتَشِفُونَ أنَّكُم مُجَرّدُ حُثَالةً مَدفُوعِينَ مِنَ الغَربِ لَيَتخَلّصُوا مِنكُم، وَمَشفُوعِينَ مِن أمرِيْكا لأنّكُم تَمسَحُونَ أحْذِيَةِ قَادَتِهَا،حَينمَا َينتِهِي الصِّبَاغُ،سَيدُوسَونَكُم بِأقدَامِهِم ، وَسَيسلّمُونَكُم إِلىَ جُندِ صَلاحُ الدّينِ مَرَّة أخْرِى.
كانَ عَليَّ أنْ أكْرِمَ تِلكَ العَجُوزُ كَمَا أكرَمَتنِي وَذَلكَ بِدعوَتِي لِزُمَلائِي إِلىَ مُسَاعَدَتِي فِي حَملِ جُثَّتِها إِلىَ مَثوَاهَا الأَخِير فِإنَّ إكرَامُ الميّتِ دَفنُهُ ..
لَنْ تَحتَاجَ إِلىَ غُسوْلٍ أوْ طُهُورٍ ،فَدَمَها أطْهَرُ مِنْ مُحِيطَاتِ الأَرْضِ جَمِيعُهَا..
أَعِدُكِ أيَّتُهَا الأُمَّ الرَّؤُومَ أنّنَِي سَأفعَلُ أيَّ شَيءٍ مِن أجْلُكِ وَمِن أجْلِي وَمِن أَجلَ الأَمَّهَات الثَّكْلى وَالأَجيَالِ القَادِمَةِ،لَنْ أسْتَكِينُ أبَدَا حَتَّى ألِجَ القُدْسَ بِيُمنِايَ وَأصَلِّي خَلفَ شَيخَ الأقصَى،وَأصُلِّي فِي كَنِيسَة المَهْدِ مَعَ الرُّهْبَانِ،فََكِلاهُمَا بالنِّسبَةِ إليَّ هُوَ بَيتَ اللهَ و الإِيمَان،وَمِن هُنَاكَ سَأبدَأَ الدَّعْوَةَ،إلىَ عَالَمٍ يَسُودُهُ الأَمْنَ وَالاِسْتِقرَارَ وَالسَّلامَ وَالعَدَالِةِ، إَذَا كَتبَ اللهَ سبُحَانَهُ لِي أَن ْأَعِيشْ ،سَأبرُِّ بِِوَعْدِي إِن شَاءَ الله ..
فَلتَحُل َّرَحمَةُ اللهِ عَليك ِ يَاأمّاهْ .إلَىَ جَنّةَ الخُلدِ بِإذنِ الله ...





30/8/2011
أبو عيسى[/][/
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://oqibe2009.ahlamontada.com
 
دموع القادسية
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى ونادي قرية عقيبة  :: منتدى الأدب :: منتدى القصة القصيرة-
انتقل الى: